التعامل مع المحن والأزمات في عصرنا الحاضر من خلال القرآن الكريم "غزوة الأحزاب نموذجاً"

Abstract

الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين إمام الهدى وسيد الأولين والآخرين، معلم البشرية وأسوتها الحسنة سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وبعد:

فإن هذا العصر الذي نعيش فيه خير نموذج للازمات المتعددة، لأنه مليء بالمحن والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، خاصة في بلادنا الإسلامية والعربية، وكان لهذه الأزمات عظيم الأثر في انتشار الفتن وتمكن العنصرية وتفشي الجهل والمرض والفقر والبطالة والنزوح واللجوء فالأزمات والمحن ظاهرة ترافق سائر الأمم والشعوب في جميع مراحل النشوء والارتقاء والانحدار.

وفي الأحداث التاريخية الكبرى نجد أنه بين كل مرحلة ومرحلة جديدة ثمة أزمة تحرك الأذهان وتشعل الصراع وتحفز الإبداع وتطرق فضاء اتبٍكر تمهد السبيل إلى مرحلة جديدة, غالبا ما تستبطن بوادر أزمة أخرى وتغييرا مقبلا آخر، وكان لنمو واتساع المجتمعات ونضوب الموارد المتنوعة وشدة المنافسة السياسية والاقتصادية الكلمة الفصل في ط ولحياة الأزمات.

وفي عصرنا الحاضر تعرضت الأمة الإسلامية لأكبر محنة وأزمة في حياتها فقد تكالبت عليها الأمم والكفر بكلم لله وألوانه، فكان من الضروري التصدي لهذه الأزمات، وحسن التعامل معها، ووضع الحلول لها وتجاوزها بالإيمان واليقين والصبر والتوكل، وبالعبرة بقصص السابقين من المؤمنين الأوائل ولنا في قصص السابقين الأسوة الحسنة.

وهذا البحث لا يتناول أسباب الأزمة وإدارتها  وأنواعها وعلاجها،فقد تم بحث هذا الموضوع وكتب فيه الكثير، ولكنه يلقي الضوء على المحن والأزمات التي تعرض لها المسلمون في غزوة الأحزاب بهدف استئصالهم وإبادتهم، حيث زلزلوا زلزالاً شديداً وأحاطت بهم الأحزاب من كل جانب وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثم كان النصر وانفراج الكربة بعد تدخل العناية الإلهية حيث أرسل الله تعالى عليهم الريح فأرغمتهم على الرحيل، ونلقي الضوء سريعاً على الأزمة والبلاء في غزوة بدر الكبرى، وكيف كانت المواجهة والتعامل مع هذا البلاء بصبر وإيمان ويقين حتى لو أدى إلى الموت. ليكونوا بذلك قدوة لنا وأنموذج في التصدي للأزمات التي تواجهنا في عصرنا الحاضر بعيداً عن اليأس والقنوط، واستشرافاً للأمل والنصر والتمكين لهذه الأمة ولهذا الدين.

وقبل أن نتطرق إلى محنة المسلمين في الأحزاب ، نطوف سريعاً على ما تعرض له بعض الأنبياء من محن وأزمات وكيف تعاملوا معها فهي سنة باقية إلى يوم القيامة، وأول ممتحن ومتعرض للأزمات أبو البشر آدم عليه السلام فبعد أن أهبطه الله إلى الأرض وأفقده لذيذ العيش وزادت محنته بقتل أحد ابنيه الآخر، فلما طال حزنه وبكاه واستغفاره ودعاؤه بعد عصيانه ربه وأكله من الشجرة، رحمه الله وتاب عليه وهداه وكشف ما به ونجاه.

وتعرض نوح عليه السلام للمحن والأزمات بتكذيب قومه وعصيانهم ومجادلتهم له المدة الطويلة، وكذلك عصيان ابنه له وتأخره عن الركوب معه في السفينة، وأعقبه الله الخلاص من تلك الأهوال والتمكين في الأرض.

وتعرض إبراهيم الخليل من ابتلاء الرؤيا الصادقة وذبح ابنه، وما كان من نجاته وفدايته بذبح عظيم بعد أن اجتاز هذه المحنة والأزمة بصبر وإيمان، ثم كانت أزمة إلقائه في النار ونجاته منها بلطف الله وقدرته.

وما تعرض له أيوب عليه السلام من الضراء في بدنه وماله وأهله، وصبره على ذلك بمدح القرآن له  ثم تعويض الله له وكشف ما به من ضر ومعافاته.

     أما يوسف عليه السلام فقد عانى صنوفا من المحن والابتلاءات: محنة كيد الإخوة. ومحنة الجب والخوف والترويع فيه. ومحنة الرق وهو ينتقل كالسلعة من يد إلى يد على غير إرادة منه، ولا حماية ولا رعاية من أبويه ولا من أهله. ومحنة كيد امرأة العزيز والنسوة، وقبلها ابتلاء الإغراء والشهوة والفتنة! ومحنة السجن بعد رغد العيش وطراوته في قصر العزيز. ثم محنة الرخاء والسلطان المطلق في يديه، وهو يتحكم في أقوات الناس وفي رقابهم، وفي يديه لقمة الخبز التي تقوتهم! ومحنة المشاعر البشرية وهو يلقى بعد ذلك إخوته الذين ألقوه في الجب وكانوا السبب الظاهر لهذه المحن والابتلاءات كلها.. وما كان منه من عفو وصفح، بعد أن خرج من كل هذه المحن والازمان بالصبر واليقين والتوكل على الله تعالى.

وما تعرض له نبينا عليه الصلاة والسلام من ألوان المحن والأزمات على المستوى الشخصي ومواقف المشركين معه بإيذائه حتى بلغ مؤامرات اغتياله ونجاته، أو على مستوى الدعوة والجماعة المؤمنة حيث تعرضوا للفناء والحرب والكيد في مكة والالتفاف على المسلمين في أحد للخلاص منهم ومحقهم  وما كان من إحاطة بهم في الخندق، وخرج نبينا ومن معه من كل ذلك بمعية الله تعالى ونصره لهم وكان النصر والتمكين.

إذن المحن والبلاء والأزمات هي سنة الله في الأرض ماضية إلى يوم القيامة على مستوى الفرد والجماعة، لتتمايز  الصفوف، وليمحص المؤمن من غيره فيظهر الإيمان من الكفر والنفاق، ويكون النصر في نهاية الأمر للمؤمنين ولهذا الدين، قال تعالى:ﭽ  ﯛ  ﯜ  ﯝ      ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ     ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪﯫ   ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ   ﯲ   ﯳ     ﯴ   ﭼآل عمران

ويتكون هذا البحث من مقدمة، وثلاثة مباحث،  وخاتمة.